في أزقة دمشق الحجرية القديمة، حيث تتجاور الحانات مع الكنائس والمساجد ومحال التحف، كانت ليالي الخميس معروفة بالحفلات والموسيقى والرقص. ورغم القمع السياسي الشديد خلال حكم بشار الأسد، استطاع المسلمون العلمانيون وغير المسلمين في العاصمة ارتداء ما يشاؤون وشرب الخمر والرقص بحرية، وفق ما كتبه فيفيان يي وحويدة سعد.

لكن في ريف إدلب، حيث أسس قادة سوريا الجدد دولة إسلامية صغيرة خلال الحرب الأهلية قبل أن يطيحوا بالأسد ويسيطروا على دمشق في ديسمبر الماضي، يقتصر المشروب الأقوى على القهوة، وتُحظر الموسيقى في المقاهي وحتى الأرجيلة. ومنذ ذلك الحين، حكم أكثر المتدينين بعضًا من أكثر السوريين تحررًا اجتماعيًا، ما أثار قلق العلمانيين والأقليات الدينية، رغم أن الحكومة الجديدة لم تفرض قيودًا رسمية على الحريات الاجتماعية، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

أثار صعود الرئيس أحمد الشرع، وهو مقاتل سابق تحالف مع القاعدة وداعش، مخاوف من فرض حكم إسلامي متشدد. وتروي نيفين طوروسيان، المسيحية المالكة المشاركة لحانة “تيكي بار”، كيف اقتحم رجال مسلحون حفلة وأمروا بإنهائها، ما جعل الحانات شبه خالية. ورغم إعلان السلطات احترام التعددية، أحاط الشرع السلطة بدائرة ضيقة من حلفائه من إدلب، وعيّنهم في مناصب أمنية وحكومية، وفشل في وقف الهجمات على الأقليات، ومنها تفجير انتحاري استهدف كنيسة في دمشق في يونيو.

أثار مرسوم يحدد “الملابس المحتشمة” على الشواطئ موجة جدل، رغم تأكيد وزارة السياحة أنه مجرد إرشادات تراعي مختلف الفئات الاجتماعية. لكن الشواطئ شهدت تراجعًا في ارتداء البكيني وزيادة في البوركيني، فيما امتنع بعض الليبراليين عن ارتيادها خشية التحرش. ورغم ترحيب البعض بالتغيير بعد سنوات من القمع الدموي للأسد، يرى آخرون أن سوريا التي عرفوها تتلاشى، حيث تلاشت أجواء التعايش بين الطوائف.

 

دمشق تتغير ملامحها

لم تصدر السلطات الجديدة قوانين تحظر الخمر أو الموسيقى أو الاختلاط بين الجنسين، لكنها جلبت معها موجة محافظة دينية، مع تدفق القادمين من مناطق ريفية أكثر تشددًا. استبدلت قوات أمن بملابس سوداء – معظمها من مقاتلين سابقين – جيش الأسد، وانتشرت اللحى الكثيفة بين الرجال.

تقول ماريا كده، وهي مسلمة من أبوين يجمعان بين السني والشيعي، إنها اعتادت ارتداء الشورت والعمل في تسويق المشروبات الكحولية، لكنها باتت تواجه من يرفض وجودها. بعض النساء غير المحجبات واجهن أسئلة فظة عند الحواجز إذا كن برفقة رجال غرباء. في المقابل، رحب محافظون ببعض التغييرات، مثل الفصل بين الرجال والنساء في فناء الجامع الأموي.

أصبحت رؤية النقاب أكثر شيوعًا، فيما توقفت بعض الشابات، مثل الطبيبة شام عطايا، عن الذهاب إلى الحانات خشية الحكم عليهن، رغم أن القانون لا يمنع ذلك.

 

ظل العنف يخيم على المدينة

في مايو، اقتحم مسلحون ملثمون ملهى “الكروان” وقتلوا امرأة وأصابوا آخرين، بعد أيام من هجوم على ملهى “ليالي الشرق” ظهر في تسجيلاته رجال يضربون الزبائن. ورغم تأكيد قائد شرطة المنطقة، أبو هادي الشرع، حماية الحفلات، أغلقت بعض الحانات أبوابها أو أوقفت بيع الخمر.

في “بيانو بار”، أقدم مكان للكاريوكي في دمشق، حضر فقط بعض الخريجين الجدد، بينما رفضت المديرة استقبال زبائن ذوي مظهر “متمرد” خوفًا من ردود فعلهم. حاولت السلطات إغلاق المكان في مارس، لكنها تراجعت بعد غضب على وسائل التواصل. في الوقت نفسه، اختفت الجعة اللبنانية وتراجعت إمدادات الخمور مع توقف المستوردين عن العمل، ما دفع بعضهم للتحول إلى استيراد مياه وشوكولاتة ومشروبات غير كحولية.

تقول ماريا كده إنها تركت عملها وتستعد للهجرة إلى ألمانيا، مضيفة: “خسرنا 14 عامًا من حياتنا في الحرب، ولسنا مستعدين لخسارة 14 عامًا أخرى”.

 

https://www.nytimes.com/2025/08/11/world/middleeast/syria-damascus-conservative.html